روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | أيها المسلم ـ فكّر ـ فإنّك مكلّف ومسؤول ومحاسب!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > أيها المسلم ـ فكّر ـ فإنّك مكلّف ومسؤول ومحاسب!


  أيها المسلم ـ فكّر ـ فإنّك مكلّف ومسؤول ومحاسب!
     عدد مرات المشاهدة: 2019        عدد مرات الإرسال: 0

كثير من المسلمين اليوم يتحدّثون عن التغيير، عن تغيير واقعهم من الهزائم والهوان إلى النصر والعزَّة، ولكن معظم الذين يتحدَّثون يتحدَّثون حديث الأماني وهم على أرائِكهم لاهون، أو في غفوتهم ساهون: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]

وآخرون يتنقلون هنا وهناك، يتحدّثون عن التغيير ويبحثون عن آليته، ويضعون آمالهم وأمانيهم في هذا الموقع أو ذاك، ليقوم هذا الموقع بالتغيير المطلوب، وكأنّه ليس لهم دور ولا عليهم مسؤوليّة، ينظرون دائماً إلى غيرهم لا إلى أنفسهم! ويطالبون غيرهم ولا يطالبون أنفسهم.

ومن هؤلاء من يصبح تبعاً لهذا الموقع أو ذاك، يُعطّل قواه الفكرية والنفسية، ويعطّل علمه ومواهبه وقدراته، في تبعية عمياء، يجعل هذا الموقع أو ذاك وثناً يضع فيه كلّ آماله وأمانيه، حتى يُصدَم بعد سنين طويلة أو قصيرة حين تهوي الأصنام ولا تتحقّق الآمال والأحلام والظنون، ولا يقع تغيير إلا إلى الأسوأ، وإلى ابتلاء أشدّ: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]

هذه التبعية العمياء ينكرها الإسلام ويحاربها، وأوّل معاني الحرب عليها أن جعل الله مصير التابع والمتبوع على الصورة التي عرضناها من التبعية العمياء على الضلال، جعل الله مصير هؤلاء وهؤلاء في النار، في جهنم وبئس المصير، يتلاومون كما رأينا في الآيات السابقة وكما نرى في الآيات التالية: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ*قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:47-48]

وكذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ*قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ*وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سبأ:31-33]

هذه الآيات الكريمة تتحدّث عن التبعية العمياء للكافرين المستكبرين الذين تبعهم المستضعفون، فلم يشفع لهم ضعفهم أمام المستكبرين عند الله يوم القيامة، نورد هذه الآيات لتكون نذيراً لمن ينتسب إلى الإسلام، حتى لا يكون تبعاً لضلال أو فساد، وحتى يدرك أن التبعية العمياء لا تنقذه من العذاب إن ضلّ بها، مهما ظنّ لنفسه من أعذار، وحتى يدرك كلّ من ينتسب إلى الإسلام أن عليه مسؤولية مهما ظنّ في نفسه ضعفاً، وأنّه محاسب ما دام قد بلغ سن التكليف، وأنّه لا مفرّ من ذلك مهما خدّرته زينة الحياة الدنيا، وخدعته أوهامه، أو خدعه المستكبرون!

لا مفرّ من يوم الحساب فإنه حق، ويوم القيامة لا يغني مولى عن مولى شيئاً، ويأتي الخلق كلّهم يومئذ يحاسبون فرداً فرداً: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ*يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ*إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الدخان:40-42]، وكذلك: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ*ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ*يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الإنفطار:17-19]، وكذلك: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ*يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:33-37]، وكذلك: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا*لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا*وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:93-95].

هذه الصورة يجب تثبيتها في النفوس أولاً، حتى تظلّ تقرع النفوس والقلوب، وتذكّرها بهول يوم البعث وهول الحساب، الحقّ اليقيني الذي لا شكّ فيه ولا مراء: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23]، وكذلك: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53]

إنّ هذا الحق اليقيني يجعل من كلّ إنسان مكلّف شرعاً مسؤولاً في الدنيا والآخرة ومحاسباً، فإذا لم تثبت هذه الحقيقة الهامّة الكبيرة، حقيقة المسؤولية، إذا لم تثبت في النفس وتستقرّ في القلب، فيكون جزء هام من الإيمان والتوحيد قد تعطّل، ويكون قد فقد الإنسان الحافز الهام، الحافز الإيماني من فطرته التي فطره الله عليها.

والمسؤولية الفرديّة بصورتها الإيمانية الربّانية أساس لا غناء عنه لإرتباط المسلم بالمسلم، ولبناء أخوّة الإيمان التي أمر الله بها، ولإرتباط المسلم بأمّته المسلمة حقّ الإرتباط وأصدقه!

وبهذا التصوّر تصبح المسؤوليّة الفرديّة أساساً لبناء الأمّة المسلمة الواحدة في واقعنا اليوم، وأساساً لبناء مسؤولية الأمّة كلّها ومستوياتها المختلفة.

إنّ التغيير أمر هام، وقد يكون التغيير للخير وقد يكون للشرّ، والواقع يكشف لنا النماذج من هذه ومن تلك، ولكن اللحظات الحالية من واقع المسلمين يكشف أنّ قوى الفتنة والفساد والشرّ أوسع في الساحة وأبعد أثراً وأكثر جمعاً للعدة والعدد، والأخطر من ذلك أنهم أكثر بذلاً لضلالهم وفسادهم وفتنتهم، وأنّهم يُشْعِلون لهيب ذلك في الأرض كلّها.

ثمّ يتساءل الملايين من المسلمين ويقولون أَنَّى هَذَا؟! ويردُّ عليهم كتاب الله، كما ردَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد معركة أُحد: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ...} [آل عمران:165]

قد يختلف هؤلاء على توزيع الغنائم، ولكنهم لا يختلفون على نشر الفساد والشرّ والفتنة، وهم كذلك سرعان ما يجدون وسيلة للتفاهم على الغنائم وتوزيعها بينهم، بدلاً من الصراع بينهم.

ويأتي السؤال الذي يعلنه بعضهم ويخفيه بعضهم: لماذا تحلّ هذه الهزائم بالمسلمين، وهم على أصحّ دين؟‍! ويكاد لا يشعر بعض من يتساءلون بهذا السؤال أنّه هو نفسه أحد أسباب هذه الهزائم؟!

لماذا تتساقط ديار المسلمين في أيدي أعداء الله؟‍! ولماذا ينزل الذلّ والهوان بالمسلمين؟! ولماذا تمتلئ الأرض من دمائهم وأشلائهم هنا وهناك، وهم لا يستطيعون دفاعاً عن أنفسهم؟!

كلّ ما يجري في هذا الكون، مهما صغر أو كبر، فإنّه يجري بأمر الله وقضائه وقدره، وبعلمه وبحكمته، فما أصابنا هو من قضاء الله وقدره! وقضاء الله حقّ لا ظلم معه أبداً، فالله حرّم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرّماً: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر:20]، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]

إذن لابد من أن ننظر في أنفسنا، فالخلل هناك، في النفوس، وما يجول في الصدور، لابدّ من النظر في ذلك، ولا بدّ من الوقفة الإيمانية التي ندعو إليها بشدّة، بصورة متكررة، ندعو إليها أنفسنا وندعو كلّ مسلم وكلّ جماعة، لتراجع المسيرة وتقوّمها ولتدرك أين الخلل والخطأ فتعالجه، وأين الصواب فتمضي عليه.

ولكن هذه الوقفة الإيمانية تحتاج إلى توافر ميزان حقّ أمين، توزن به الأمور والأحداث والمواقف والرجال دون أن يعصف الهوى والمصالح بحقيقة هذه الوقفة والمراجعة والتقويم.

ولا يصحّ الميزان بأيدي الناس إلا إذا راجعوا أولاً أنفسهم، ونظروا في داخلها نظرة محاسبة أولاً، ثمّ نظرة معالجة وتغيير، حتى يصبح منهاج الله هو الميزان.

إذا أخذنا الكبر والغرور، ومضى كلّ منّا على ما هو عليه، يعيد الخلل والخطأ ويمارسه، ولا يقرّ بالخطأ ولا يشعر بالخلل، فإنّ الهزائم تتوالى والفواجع تمتدّ، والبلاء يشتدّ إما عقاباً وتذكيراً وإمّا ابتلاءً وتمحيصاً: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، وكذلك: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف:164-165].

إنّ هذا كلّه يعني أنّ كلّ مسلم يجب أن يفكّر، يجب أن يستفيد من هذه الطّاقة التي وضعها الله فيه، وبنظرة أوسع فيجب على كلّ إنسان أن يُفكّر حتى يصل إلى الحقّ والإيمان والتوحيد إذا شاء الله له ذلك، أو يضلّ إذا فسد أمره فأضلّه الله، والله يقضي بالحقّ ولا يظلم أحداً.

والمسلم له منهج للتفكير نسمّيه -النهج الإيماني للتفكير- يتبعه المسلم حين يفكّر حتى لا يضلّ ولا يزيغ، ولا بدّ من تدريب المسلم على النهج الإيماني للتفكير، حتى ينظر في نفسه النظرة الأمينة، ويحاسبها ويعرف مواطن الصّلاح والشرّ، والقوّة والضعف، فيجاهد نفسه ليثبت على الحقّ وينبذ الباطل.

تنمو طاقة التفكير مع نموّ الطفل كما تنمو سائر قواه، فإمّا أن يستمرّ النموّ مع الفطرة السليمة برعاية الوالدين المؤمنين وبفضل من الله، وإمّا أن ينحرف التفكير مع فساد الفطرة بفساد الأبوين والمجتمع وبقدر من الله حقّ. وفي جميع الحالات فإنّ التفكير في مرحلة النموّ أو بعض مراحله يحتاج إلى تدريب ورعاية، ويزداد التدريب أهميّة وخطورة كلّما تقدّم الإنسان في مراحل نموّه، حتى يعرف ويتعلّم، ويؤمن ويتحمّل المسؤولية، ويجابه المشكلات وينهض لمعالجتها.

إنّ طاقة التفكير ضرورية للنظر في النفس ولمحاسبتها ومعالجتها في مسيرة من مجاهدة النفس.

نخلص ممّا عرضناه إلى ضرورة توافر قدرات وقواعد حتى يستقيم النظر في النفس ومحاولة تقويمها ومعالجتها:

= أولاً: الإيمان والتوحيد المغروسان في الفطرة ومدى صفائهما.

= ثانياً: التفكير وعدم تعطيل الطاقة التي وهبها الله لنا.

= ثالثاً: الميزان العادل الأمين، توزن به الأمور والقضايا والمواقف والناس.

 فكّر أيها المسلم! فإنّك مكلّف ومسؤول ومحاسب! والتفكير هو أوّل تكليف كلّف الله به عباده ليعرفوه به، ويعبدوه به، ويطيعوه، والتفكير مرتبط بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، تحمل الإيمان والتوحيد ليروي جميع قوى الفطرة ريّاً متوازناً، لتؤدّي كلّ قوّة وغريزة الدور الذي خُلِقتْ له، فاحرص على سلامة فطرتك وعُدْ إليها، لتمدّك بالغذاء الّلازم وتُعينك على الإستقامة في التفكير والنهج والكلمة والسلوك.

* ولن تستطيع أيها المسلم أن تفكّر على النهج الإيماني للتفكير، حتى تُغيّر ما بنفسك!

الكاتب: د. عدنان علي رضا النحوي.

المصدر: موقع لقاء المؤمنين.